فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: {والذين جاءوا من بعدهم} مقطوع مما قبله، معطوف عطف الجمل، لا عطف المفردات؛ فإعرابه: {والذين} مبتدأ، ندبوا بالدعاء للأولين، والثناء عليهم، وهم من يجيء بعد الصحابة إلى يوم القيامة، والخبر {يقولون}، أخبر تعالى عنهم بأنهم لإيمانهم ومحبة أسلافهم {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا}، وعلى القول الأول يكون {يقولون} استئناف إخبار، قيل: أو حال.
{ألم تر إلى الذين نافقوا} الآية: نزلت في عبد الله بن أبيّ، ورفاعة بن التابوت، وقوم من منافقي الأنصار، كانوا بعثوا إلى بني النضير بما تضمنته الجمل المحكية بقوله: {يقولون}، واللام في {لإخوانهم} للتبليغ، والإخوة بينهم إخوة الكفر وموالاتهم، {ولا نطيع فيكم}: أي في قتالكم، {أحدًا}: من الرسول والمؤمنين؛ أو {لا نطيع فيكم}: أي في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة، و{لننصرنكم}: جواب قسم محذوف قبل أن الشرطية، وجواب أن محذوف، والكثير في كلام العرب إثبات اللام المؤذنة بالقسم قبل أداة الشرط، ومن حذفها قوله: {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين} التقدير: ولئن لم ينتهوا لكاذبون، أي في مواعيدهم لليهود، وفي ذلك دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب، ولذلك لم يخرجوا حين أخرج بنو النضير، بل أقاموا في ديارهم، وهذا إذا كان قوله: {لإخوانهم} أنهم بنو النضير.
وقيل: هم يهود المدينة، والضمائر على هذين القولين.
وقيل: فيها اختلاف، أي لئن أخرج اليهود لا يخرج المنافقون، ولئن قوتل اليهود لا ينصرهم المنافقون، ولئن نصر اليهود المنافقين ليولي اليهود الأدبار، وكأن صاحب هذا القول نظر إلى قوله: {ولئن قوتلوا لا ينصرونهم}، فقد أخبر أنهم لا ينصرونهم، فكيف يأتي {ولئن نصروهم}؟ فأخرجه في حيز الإمكان، وقد أخبر أنهم لا ينصرونهم، فلا يمكن نصرهم إياهم بعد إخباره تعالى أنه لا يقع.
وإذا كانت الضمائر متفقة، فقال الزمخشري: معناه ولئن نصروهم على الفرض، والتقدير كقوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} وكما يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون.
وقال ابن عطية: معناه: ولئن خالفوا ذلك فإنهم ينهزمون. انتهى.
والظاهر أن الضمير في {ليولن الأدبار}، وفي {ثم لا ينصرون} عائد على المفروض أنهم ينصرونهم، أي ولئن نصرهم المنافقون ليولن المنافقون الأدبار، ثم لا ينصر المنافقون.
وقيل: الضمير في التولي عائد على اليهود، وكذا في {لا ينصرون}.
قال ابن عطية: وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله: {لا يخرجون} و{لا ينصرون} لأنها راجعة على حكم القسم، لا على حكم الشرط، وفي هذا نظر. انتهى.
وأي نظر في هذا؟ وهذا جاء على القاعدة المتفق عليها من أنه إذا تقدم القسم على الشرط كان الجواب للقسم وحذف جواب الشرط، وكان فعله بصيغة المضي، أو مجزومًا بلم، وله شرط، وهو أن لا يتقدمه طالب خبر.
واللام في {لئن} مؤذنة بقسم محذوف قبله، فالجواب له.
وقد أجاز الفراء أن يجاب الشرط، وأن تقدم القسم، ورده عليه البصريون.
ثم خاطب المؤمنين بأن هؤلاء يخافونكم أشد خيفة من الله تعالى، لأنهم يتوقعون عاجل شركم، ولعدم إيمانهم لا يتوقعون أجل عذاب الله، وذلك لقلة فهمهم، ورهبة: مصدر رهب المبني للمفعول، كأنه قيل: أشد مرهوبية، فالرهبة واقعة منهم لا من المخاطبين، والمخاطبون مرهوبون، وهذا كما قال:
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ** وقيل إنك مأسور ومقتول

من ضيغم بثراء الأرض مخدره ** ببطن عثر غيل دونه غيل

فالمخبر عنه مخوف لا خائف، والضمير في {صدورهم}.
قيل: لليهود، وقيل: للمنافقين، وقيل: للفريقين.
وجعل المصدر مقرأ للرهبة دليل على تمكنها منهم بحيث صارت الصدور مقرأ لها، والمعنى: رهبتهم منكم أشد من رهبتهم من الله عز وجل.
{لا يقاتلونكم}: أي بنو النضير وجميع اليهود.
وقيل: اليهود والمنافقون {جميعًا}: أي مجتمعين متساندين يعضد بعضهم بعضًا، {إلا في قرى محصنة}: لا في الصحراء لخوفهم منكم، وتحصينها بالدروب والخنادق، أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم.
وقرأ الجمهور: {جدر} بضمتين، جمع جدار؛ وأبو رجاء والحسن وابن وثاب: بإسكان الدال تخفيفًا، ورويت عن ابن كثير وعاصم والأعمش.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين: {جدار} بالألف وكسر الجيم.
وقرأ كثير من المكيين، وهارون عن ابن كثير: {جدر} بفتح الجيم وسكون الدال.
قال صاحب اللوامح: وهو واخذ بلغة اليمن.
وقال ابن عطية: ومعناه أصل بنيان كالسور ونحوه، قال: ويحتمل أن يكون من جدر النخل، أي من وراء نخلهم، إذ هي مما يتقى به عند المصافة.
{بأسهم بينهم شديد}: أي إذا اقتتلوا بعضهم مع بعض.
كان بأسهم شديدًا؛ أما إذا قاتلوكم، فلا يبقى لهم بأس، لأن من حارب أولياء الله خذل.
{تحسبهم جميعًا}: أي مجتمعين، ذوي ألفة واتحاد.
{وقلوبهم شتى}: أي وأهواؤهم متفرقة، وكذا حال المخذولين، لا تستقر أهواؤهم على شيء واحد، وموجب ذلك الشتات هو انتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة.
وقرأ الجمهور: {شتى} بألف التأنيث؛ ومبشر بن عبيد: منونًا، جعلها ألف الإلحاق؛ وعبد الله: {وقلوبهم أشت}: أي أشد تفرقًا، ومن كلام العرب: شتى تؤوب الحلبة.
قال الشاعر:
إلى الله أشكوا فتية شقت العصا ** هي اليوم شتى وهي أمس جميع.

اهـ.

.تفسير الآيات (15- 17):

قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قال لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الإخبار بعدم عقلهم دعوى دل عليها بأمر مشاهد فقال: {كمثل} أي قصتهم في عدم فقههم بل عقلهم الذي نشأ عنه إخراجهم هذا وما سببه من مكرهم وغدرهم واعتمادهم على ابن أبيّ ومن معه من المنافقين كمثل قصة {الذين من قبلهم} ولما كان إدخال الجار مع دلالته على عدم استغراق زمان القبل يدل على قرب الزمن، صرجح به فقال: {قريبًا} وهم كما قال ابن عباس- رضى الله عنهما- بنو قينقاع من أهل دينهم اليهود أظهروا بأسًا شديدًا عند ما قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بدر فوعظهم وحذرهم بأس الله فقالوا: لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قومًا أغمارًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم، وأما والله لو قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس، ثم مكروا بامرأة من المسلمين فأرادوها على كشف وجهها فأبت فعقدوا طرف ثوبها من تحت خمارها، فما قامت انكشفت سوأتها فصاحت فغار لها شخص من الصحابة رضي الله عنه م، فقتل اليهودي الذي عقد ثوبها فقتلوه، فانتقض عهدهم، فأنزل النبي صلى الله عليه وسلم بساحتهم جنود الله فأذلهم الله ونزلوا من حصنهم على حكمه صلى الله عليه وسلم وقد كانوا حلفاء ابن أبيّ، ولم يغن عنهم شيئًا غير أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في أن لا يقتلهم وألح عليه حتى كف عن قتلهم فذهبوا عن المدينة الشريفة بأنفسهم من غير حشر لهم بالإلزام بالجلاء.
ولما كان كأنه قيل: ما كان خبرهم؟ قال: {ذاقوا وبال} أي وخامة وسوء عاقبة {أمرهم} في الدنيا وهو كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحزبه الذين هم حزب الله، وسماه أمرًا لأنه مما ائتمروا فيه {ولهم} أي في الآخرة {عذاب أليم} أي شديد الإيلام، ولما شبه سبحانه أمرهم في طاعتهم لابن أبي ومن معه وهم البعداء المحترقون بسبب إبعاد المؤمنين لهم بإبعاد الله واحتراق أكبادهم لذلك مع ما أعد لهم في الآخرة بأمر بني قينقاع، شبه قصة الكل بقصة الشيطان ومن أطاعه من الإنس والجن، فقال مبينًا لمعنى ما حط عليه آخر الكلام: {كمثل} أي مثل الكل الواعدين بالنصر والمغترين بوعدهم مع علمهم بأن الله كتب في الذكر {لأغلبن أنا ورسلي} [المجالة: 21] في إخلافهم الوعد وإسلامهم إياهم عند ما حق الأمر يشبه مثل {الشيطان} أي البعيد من كل خير لبعده من الله المحترق بعذابه، والشيطان هنا مثل المنافقين {إذا قال للإنسان} أي كل من فيه نوس واضطراب وهو هنا مثل اليهود: {اكفر} أي بالله بما زين له ووسوس إليه من اتباع الشهوات القائم مقام الأمر.
ولما كان الإنسان بما يساعد تزيين الشيطان عليه من شهواته وحُظوظه وأخلاقه يطيع أمره غالبًا قال: {فلما كفر} أي أوجد الكفر على أي وجه كان، ودلت الفاء على إسراعه في متابعة تزيينه {قال} أي الشيطان الذي هو هنا عبارة عن المنافقين مؤكدًا لما لمن تعلق بمن أكد له الوعد بشيء من صادق الاعتماد عليه والتكذيب بأنه يخذله: {إني بريء منك} أي ليس بيني وبينك علاقة في شيء أصلًا ظنًا منه أن هذه البراءة تنفعه شيئًا مما استوجبه المأمور بقبوله لأمره، وذلك كناية عن أنه فعل معه من الإعراض عنه والتمادي في كل ما يدل على إهماله من أكد البراءة منه، وذلك كما فعل المنافقون باليهود جرؤوهم على أمر ينهى وهو الإقامة في بلدهم، فلما نصبوا الحرب طمعًا في نصرهم فعل المنافقون بتباطؤهم عنهم فعل المتبرئ منهم فكان ذلك أشد عليهم مما لم يطمعوهم في نصرهم لأن هذا بمنزله انهزامهم عنهم من الصف الموجب لانهزامهم لا محالة، ثم علل البراءة بقوله: {إني أخاف الله} أي الملك الذي لا أمر لأحد معه فلا تطاق صولته، ثم شرح ذلك بقوله: {رب العالمين} أي الذي أوجدهم من العدم ورباهم بما يدل على جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، فلا يغني أحد من خلقه عن أحد شيئًا إلا بإذنه وهو لا يغفر أصلًا لمن يقدح ربوبيته ولاسيما إن نسبها إلى غيره، وكان هذا كمثل ما يجد الإنسان بعد الوقوع في المعصية من الندم والحيرة، فإذا وجد ذلك وهم بالتوبة زين له المعصية وصعب عليه أمر التوبة وعسره وجرأه على المعصية بعينها أو على ما هو أكبر منها، ولا يزال كذلك حتى يتعذر عليه الرجوع فيتحقق هلاكه وهلاك من أوقعه، فلذلك سبب عنه قوله: {فكان} ولما كان تقديم الشيء على محله موجبًا لروعة تنبه الإنسان للتفتيش عن السبب والتشويق إلى المؤخر قال: {عاقبتهما} مقدمًا لخبر (كان) {أنهما} أي الغار والمغرور {في النار} حال كونهما {خالدين فيها} لأنهما ظلما ظلمًا لا فلاح معه.
ولما كان ذلك قد يحمل على أنه في الإنسان بعينه، قال معلقًا بالوصف، تعميمًا وزجرًا عنه: {وذلك} أي العذاب الأكبر {جزاء الظالمين} أي كل من وضع العبادة في غير محلها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا} أي مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب فإن قيل: بم انتصب {قَرِيبًا}، قلنا: بمثل، والتقدير كوجود مثل أهل بدر.
{قَرِيبًا ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله من قولهم: كلأ وبيل أي وخيم سيئ العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا {وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابُ أَلِيمٌ}.
ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلًا فقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قال لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)}
أي مثل المنافقين الذين غروا بني النضير بقولهم: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [الحشر: 11] ثم خذلوهم وما وفوا بعهدهم: {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قال للإنسان اكفر} ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد إما عموم دعوة الشيطان إلى الكفر، وإما إغواء الشيطان قريشًا يوم بدر بقوله: {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} إلى قوله: {إِنّي بَرِيء مّنْكُمْ} [الأنفال: 48].